Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
التاريخ الإسلامي

علماء المسلمين, التاريخ الإسلامي، قصص و عبر, معارك المسلمين

معركة الدونونية

معركة الدونونية


معركة الدونونية وقعت في سبتمبر 1276 (674 هـ) بين جيوش دولة المرينيون متحدة مع جيش الفقيه ابن الأحمر والتي انتصرت على قوات الملك القشتالي ألفونسو العاشر. وعُرفت هذه المعركة بموقعة الدونونيّة نسبة إلى دون نونيو دي لارا قائد الجيش القشتالي.

كان للمعركة تأثير كبير في تاريخ الأندلس الإسلامي،تعتبر يوم من أيام الأندلس المجيدة التي سطّرها رجال عظماء وهبو حياتهم لنصرة الأمة و إعلاء شأنها بعد هزيمة معركة العقاب، إذ أنها أوقفت زحف النصارى في الأراضي الإسلامية وقد أخرت سقوط مملكة غرناطة لمدة تزيد عن قرنين.

أجواء ما قبل المعركة


لم يتبق في الأندلس في سنة 646 هـ 1248 م بلادا إسلامية غير غرناطة وما حولها فقط من القرى والمدن، والتي لا تمثل أكثر من 15 % وهي تضم ثلاث ولايات متحدة هي: ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر الذي كان يحكمها باسم ملك قشتالة تبعاً لمعاهدةٍ بينهما.

كعادتهم ولطبيعة متأصلة في كينونتهم، ومع كون المعاهدة السابقة بين ابن الأحمر وملك قشتالة تقوم على أساس التعاون والتصالح والنصرة بين الفريقين، إلا أنه بين الحين والآخر كان النصارى القشتاليون بقيادة فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى يخونون العهد مع ابن الأحمر، فكانوا يتهجمون على بعض المدن ويحتلونها.

وقد يحاول ابن الأحمر أن يسترد هذه البلاد فلا يفلح، فلا يجد إلا أن يعاهدهم من جديد على أن يترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين مقابل أن يتركوه حاكما على بلاد غرناطة باسمهم، فلم تؤسَّس غرناطة على التقوى، بل أسسها ابن الأحمر على شفا جرف هارٍ، معتمدا على صليبيٍّ لا عهد له ولا أمان [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة:100}.

وقد ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة 643 هـ 1245 م ومنذ أول معاهدة عقدها مع ملك قشتالة، وحتى سنة 671 هـ 1273 م ظل طيلة هذه الفترة في اتفاقيات ومعاهدات.

وفي سنة 1273 (671 هـ) بدأ ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت "ألفونسو العاشر" بالمخالفة الصريحة لبنود المعاهدة المبرمة بينهما، وبدأ في تجييش الجيوش لدخول غرناطة، ومن ثم إنهاء الوجود الإسلامي تماما من أرض الأندلس.

هنا وجد محمد بن الأحمر نفسه في مأزق، وحينها فقط علم أنه عاهد من لا عهد له، فماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن يمّم وجه شطر بلاد المغرب حيث بنو مرين، وحيث الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، والتي كان عليها سلطان يُسمّى يعقوب المنصور المريني، أحد أكبر القواد في تاريخ المسلمين.

يعقوب بن عبد الحق المريني

يعقوب بن عبد الحق المريني في وصف دقيق للسلطان يعقوب بن عبد الحق أو المنصور المريني يقول المؤرخون المعاصرون له: إنه كان صوَّامًا قوَّامًا، دائم الذكر، كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرًا، وفي أكثر ليله قائمًا يصلي، مكرمًا للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعًا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفًا في سفك الدماء، كريمًا جوَّادًا، وكان مظفرًا، منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تهزم له راية قط، ولم يكسر له جيش، ولم يغزُ عدوًّا إلا قهره، ولا لقي جيشًا إلا هزمه ودمَّره، ولا قصد بلدًا إلا فتحه.

وحين استعان محمد بن الأحمر الأول بيعقوب بن منصور المريني ممثلا في دولة بني مرين، ما كان منه إلا أن أعد العدة وعبر مضيق جبل طارق، وأتى لنصرة المسلمين في الأندلس.

وفاة محمد بن الأحمر وولاية محمد الفقيه

في سنة (671هـ= 1273م) يموت محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، وقد استخلف على الحُكم ابنه وسميَّه، بل وسميَّ معظم أمراء بني الأحمر كان اسم ابنه هذا محمدًا، فكان هو محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر، وكانوا يلقبونه بالفقيه «لانتحاله طلب العلم أيام أبيه».

كان أبوه قد وصاه عند موته بالتمسك بعروة أمير المسلمين في المغرب، وعلى كلٍّ فقد أتى بنو مرين، وكان العبور الأول للمنصور المريني -رحمه الله- في صفر سنة (674هـ)، وكان قد سبق ذلك بعام إرساله خمسة آلاف جندي بقيادة ابنه للجزيرة؛ حتى يفرغ من استعداده للجواز، وكان قبل ذلك بعدة أعوام سنة (663هـ) قد أرسل حوالي ثلاثة آلاف مجاهد تحت قيادة بعض أقاربه إلى الأندلس في حياة الشيخ ابن الأحمر فاستقروا بالأندلس واستطاعوا أن يردُّوا الهجوم عن غرناطة، وحفظها الله من السقوط.

معركة الدونونية

في سنة 674 هـ 1276 م يلتقي جيش المسلمين بقيادة يعقوب المنصور المريني قوامه عشرة آلاف رجل وجيش قشتالة بقيادة دون نونيو دي لارا و عدده تسعون ألف مقاتل بالقرب من مدينة قرطبة في موقعة الدونونية العظيمة.

بدأ المنصور المريني، يحفز الناس بنفسه على القتال، وكان مما قاله في خطبته الشهيرة في تحفيز جنده في هذه الموقعة:، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنّ الجنّة تحت ظلال السيوف [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة:111}. فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ فمن مات منكم مات شهيدا، ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا، فـ [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران:200}. فتأثّر الناس و عانق بعضهم بعضا للوداع، وبكوا جميعا.

وبهؤلاء الرجال الذين أتوا من بلاد المغرب، وبهذه القيادة الربانية، وبهذا العدد الذي لم يتجاوز عشرة آلاف مقاتل حقق المسلمون انتصارًا باهرًا وعظيمًا، وقُتل من النصارى ستة آلاف مقاتل، وتم أسر سبعة آلاف وثمانمائة آخرين، وقُتل دون نونيو قائد قشتالة في هذه الموقعة، وقد غنم المسلمون غنائم لا تحصى، وما انتصر المسلمون منذ موقعة الأرك في سنة (591هـ= 1195م) كهذا النصر في الدونونية في سنة (674هـ= 1276م).

الفتوحات بعد الدونونية


بعد الإنتصار في معركة الدونونية انقسم جيش المسلمين إلى نصفين، توجه النصف الأول إلى جيّان وكان على رأسه ابن الأحمر، ففتح جيّان وانتصر عليهم، وتوجّه النصف الآخر وعلى رأسه المنصور المريني إلى إشبيلية، فإذا به يحرر إشبيلية ويصالح أهلها على الجزية.

وإنه والله لأمر عجيب هذا، أمر هؤلاء الخمسة آلاف رجل، والذين يذهب بهم المنصور المريني ويحاصر إشبيلية، فيحررها ويصالح أهلها على الجزية، تماما كما قال صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. فكان هذا مثال حي على صلاح الرجال وصلاح الجيوش.


وبعد ثلاث سنوات من هذه الموقعة، وفي سنة 677 هـ 1279 م ينتقض أهل إشبيلية فيذهب إليهم من جديد يعقوب المنصورالمريني، ومن جديد وبعد حصار فترة من الزمن يصالحونه على الجزية، ثم يتجه بعد ذلك إلى قرطبة ويحاصرها، فترضخ له أيضا على الجزية.

ومن العجائب التي سطرها المنصور في تاريخنا المجيد، يحرر قرطبة وجيّان وإشبيلية وقوام جيشه لا يتعدى الخمسة آلاف مقاتل! وإنه ليستحق وقفة وتأمل، وإن كان هذا ليس بغريب في التاريخ الإسلامي.

وفي سنة 684 هـ 1285 م يأتي من جديد يعقوب المنصور المريني ليساعد ابن الأحمر في حرب جديده ضد النصارى، وهكذا كان يعقوب بن منصور المريني قد وهب حياته للجهاد، والدفاع عن دين الله، وفي هذه السنة ينتصر المسلمون على النصارى، ويعقدون معهم عهدا كانت له شروط أملاها وفرضها عليهم يعقوب بن منصور المريني.

في هذه المعاهدة لم يطلب يعقوب المنصور المريني مالا ولا قصورا ولا جاها، إنما طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين، والتي هي في قرطبة وإشبيلية وطليطلة، وغيرها من البلاد التي سقطت في أيدي النصارى، هذا هو الذي طلبه واشترطه في معاهدته.

وبالفعل أتوا إليه بكميات ضخمه من كتب المسلمين، الأمر الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن من الضياع، وما زالت وإلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب بن منصور المريني في الموقعة التي تمت في 684 هـ1285 م ما زالت في مكتبة فاسبجامعة القرويين في المغرب وإلى هذه اللحظة.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article